28 - 07 - 2025

رشقة أفكار | من أكل لسان الدولة .. هل تآكل أمام سطوة الراقصات؟!

رشقة أفكار | من أكل لسان الدولة .. هل تآكل أمام سطوة الراقصات؟!

الرقص جميل.. جميل الرقص ..
انا من عشاقه ومحبيه.. انتمائي أصيل لمدرسة الفن للحياة..
لا أتزمت أبدا مع الفن، ولا أبحث عن عورات الفنانين.. ما لم يعتبروا هم أنفسهم أن الفن عورة كما فعلت ولا تزال تفعل بعض اليائسات من رحمة وجمال وقدسية الفن.
الفنانه تحية كاريوكا كيان فني غني وملهم وثري.. نموذج مهم بالنسبه لي.. ثمثيلا ورقصا، ونضالا حقيقياً. لم ارها يوماً في رقصة خليعة أو في وضع أو في ملابس غير راقية أو لائقة.. هي قمة الرقص الشرقي عندي (قبل مقال إدوارد سعيد وبعده )!

سامية جمال كانت تلميذة في معهد كاريوكا.. السيدة حسنة السيرة والسمعة، إلا من هذا الرجل الذي تزوجته.. لا أحب أن أتذكر اسمه.. فقد كان يتغني بـ "الوفد ولو فيها رفد" .. وبالتالي يهيل التراب على ثورة يوليو ..في مسرحياته مثل  يحيا الوفد .. وميحياش!
سامية جمال راقصة بديعة تشعر أنها تتبتل في لحظتها الإبداعية الراقصة.. كأنها تدلف إلى محراب.. تعرف وقع قدميها .. فلكل إصبع منها إطلالة وإيقاع محسوب .. كان هذا إحساسي، شعوري الذي يتسلل إلى، ولست أفرضه على أحد .. يمكن قبوله كما يقبل الناس من سعاد صالح (الفقيهة الأزهرية الدكتورة سعاد صالح ) فتواها بإباحة شرب الحشيش. ليت احمد فؤاد نجم كان حيا، فقد نشر الأستاذ عادل حمودة على غلاف  روزا اليوسف ذات عدد أن الفاجومي يطالب بأن يكون "الحشيش مشروبا قوميا للمصريين".. وجاءت سعاد صالح في الألفية الثالثة، وبعد العام الخامس والعشرين منها .. لتبروز حلمه وتضعه على طاولة احلام المصريين!

من حسن الحظ  يا ست سعاد.. أنه لا يوجد حشيش حقيقي كالذي كان يشربه بعضنا زمان.. يبيعه  المعلم "دوبر" (أحمد بركات) ويتعاطاه الكل على الجوزة مع أهم شخصيات في القرية.
كان حشيش بيور وقتها وميخوفش .. لكن طبعا إدارة مكافحة المخدرات لم تأل جهدا في ضبط وإحضار الشريبة والمهربين وكبار  التجار.
أنا نفسي أسقطت عضوية خمسة من كبار تجار المخدرات.. كانوا أعضاء في الحزب الوطني، ونجحوا في الوصول إلى عضوية مجلس الشعب، أسقطت نواب الكيف بعد أن وصلوا إلى سدة البرلمان!
في علاقاتي اليومية العادية .. أعرف ويعرف غيري فتيات وسيدات يتناولن الحشيش بضراوة ونهم، وحياتهن لا تستقيم من دونه.. يستيقظن ولا يفقن من إغفائهن إلا بفنجان قهوة مدجج بالحشيش.. أي بتعميرة أو اثنتين.. يعلو بهما الدخان الازرق في الرأس، ولا شيء يمكنه أن يهدد تلك اللحظة.. حتى لا يطير الدخان.)!! 

للأسف الشديد .. يحدث في مصر الآن!

رقصة سالومي ليوحنا  المعمدان الأكثر احتشاما.. لا تقارن بما يتسرسب من ابداعات وخيالات رقصات الدلوعة سهير زكي .. والتي تعرف انها دلوعة ولا تعبأ بأي شيء .. هي تتدلل وتعرف أنها ملكة هز الوسط بجسدها البض.. وابتسامتها الساحرة، من فمها الواسع ذو الإيحاءات التي لا تحدها حدود. تشاهدها وهي تتلوى، فلا تتعاطف مع الاستاذ الدكتور حامد جوهر الذي كان يقدم برنامج عالم البحار في التليفزيون .. وكان يقوم بنفسه على الإعداد والتقديم .. مايتطلب سهر الليالي الطويلة، ولكن ماذا يحدث  له عند خزينة المال؟ يقف - وهو العالم الجليل - متحسرا محزونا وهو يمد يده ليتقاضي تسعة جنيهات.. بينما تقف سوسو هانم، سهير هانم زكي لتقبض مقابل هز كل هذا الجمال تسعين جنيها أو تسعة آلاف، لا تكفي حسرات العالم د. جوهر لكي تشفق الدولة علي هذه الفئة فتعدل الميزان المختل.. فالحاصل أن سهير زكي حينما شعرت بتأفف جوهر. واستغرابه من أنها تتقاضي مبالغ طائلة مقابل هز وسطها.. فقالت له: حد قالك متهزش ..؟! (هذه رواية بتصرف فالخبثاء يروونها بطريقة أفضل وأكثر إيلاما وسخرية!)
الراقصات أنواع طبعا.. فيهن كاريوكا، وسامية جمال، ونجوى شمعدان، وفيفي خمسة أنواع منوفيه، وسهير زكي ..ذات اللحم الأبيض الفارع.
زمان كان فيه دولة . . فإذا خرج سعيد صالح عن النص لدواعي سياسية كبلوه في الأصفاد وسجنوه  شهرا.. وكان عندهم حق فهو خرج عن النص فعلا ! ولم "يتبلى" عليه أحد..
زمان كانت الرقابة على المصنفات الفنية لديها سطوة نافذة، وكانت ملابس الرقص الخليعة تذهب والراقصات إلى حيث ألقت الدولة بكل سخامها في طريقهن لتعلمهن الأدب، واللباس المحتشم، ومنع الحركات التي تثير الغرائز.. ومن يحاول الخروج على هذه القوانين يمكن أن يسجن وتسحب رخصه، ويتم تجريسه، بدل الرقص كان لها مواصفات .. فهي للرقص على خشبات المسرح وليس على سراير غرف النوم، وليس الأمر فوضي كحال هذه الأيام.

ذات محاضرة  في ثمانينات القرن الماضي عن الفن والتذوق ومكافحة التطرف.. تحدث الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين وكان ضيفاً علي قاعة إيوارت الشهيرة بالجامعة الأميركية.. وبحضور حشد كبير ملأ مدرجات القاعة.. التي لفت انتباهها تركيز الأستاذ بهاء على فتاة اسمها فؤاد .. سألته سؤالا عن رأيه في الرقص.. وخاصة رقص الباليه.  ومع أن بهاء ظل طيلة الوقت منشغلا بالرد على فؤاده إلا انه كان شديد التركيز وصفاء الذهن عندما قال: كيف يمكن لرقص الباليه أن يثير غريزة أي متفرج؟! أن لكل حركة من حركات الراقصين معاني معينة فإذا لم يركز المشاهد مع الحركات، فإنه لن يفهم البالية الذي يشاهده. إذا انصرف المتفرج عن الفن وتابع غريزته، فلن يفهم ماجاء إلى الأوبرا ليشاهده من فنون الباليه.
كان الرد بليغا ومعبرا، ولكن كان هذا زمان الأساتذة: زمان أحمد بهاء الدين .. الذي استدعي وهو على فراش المرض أنبل المشاعر الإنسانية عند الأستاذ هيكل.. ليكتب عنه بكلمات مؤثرة: كانت مناسبتها مرض بهاء بعد اندلاع حرب الخليج.. والتي أصابت الأستاذ بهاء بصدمة عصبية ونزيف أقعده سنوات في سريره بلا حراك..
يعترف الأستاذ هيكل بحزن وأسى: "لم أفتقد رأيا كما افتقدت رأى أحمد بهاء الدين. وفى وسط الطوفان العارم الذى ساح فيه الحبر على الورق أكثر مما ساح من الدم في ميادين القتال، فإن كلمة أحمد بهاء الدين كانت هي الشعاع الوحيد الغائب في وهج النار والحريق. كان الكل حاضرين, وكان وحده البعيد مع أنه كان الأقرب إلى الحقيقة والأكثر قدرة على النفاذ إلى جوهرها وصميمها. ولم يكن ابتعاده الاضطراري مجرد خسارة للعقل المتوازن فى أزمة جامحة، ولكن الخسارة كانت أكبر لأن معرفته ببؤرة الصراع كانت أدق وأعمق"
هذا زمن بهاء وهيكل وزكي نجيب محمود ويوسف ادريس وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.. ولم يكن كله زمن المجون والخلاعة .. صحيح كان هناك شارع الهرم .. وكان المصريون حساسون جدا من وجود هذا الشارع بالمواصفات القياسية لخدش حياء المصريين.. شارع  يعج بالملاهي وبالراقصات وبالخمور و المجون، والسفه الشديد في توزيع النقود ( بالنقوط) وكان الشعب منزعجا من كل إشارة تسيء إلى تقاليده وأعرافه وقيمه.  تلك التي تدوس عليها الثروة والنفوذ الخليجي الممتد في شارع الهرم.. كان هناك اساطين من رموز المال والثروة.. من يراجع أعداد روز اليوسف والكتب التي أصدرها عادل حمودة و زملاؤه - تلامذته أيضا بتعبير المحبة - سيكتشف أن هناك أسماء حكمت هذا الشارع.. نهاية عصر أنور السادات وسنوات طويلة من حكم مبارك..

قبل  أن نصل إلى عصر الإنحطاط الحالي.. كانت بدل الرقص جميلة، وذات ذوق رفيع، ولا تكشف عورات ولاتثير غرائز أو تستغل الحركة لإبراز مفاتن الراقصة. لم تكن بدل الرقص بهذه الفجاجة التي نراها الآن ( بعض الصور رفقة هذا المقال) .. وكأن الدولة تآكل لسانها.. وتآكلت سطوتها أمام سطوة الراقصات! من يسمح لكل هذا التعري؟!
صحيح أن الراقصة اللهلوبة الولعة.  صافينار أعلنت توبتها أمس.. وظهرت متشحة بملابس سوداء محتشمة مناشدة طوب الارض الذي يحتفظ لها بصور ساخنة جدآ .  جدا .. فوتوغرافيا وبثوث لايف  ..هههه .. ماجنة .. خليعة .. متأوهة .. ناشدت وتمنت ألا ينشرها معجب ولهان، تذكرنا بالطريقة التي تعاملت بها مع ماضيها بعد أن تمكن منه الشيخ الشعراوي.. السندريلا شمس البارودي الفنانة المعتزلة وكانت نجمة إغراء تنافس الجميلة هند رستم ..
الخبثاء ردوا على ذات النار وراقصة الدلال والنار صافينار بأننا "مبيقناش ناكل من الكلام ده . قالوا لها: أنت أعلنت توبتك قبل كده كذا مرة ورجعت فيها"!

- تحية كاريوكا بقلم البروفيسور إدوارد سعيد فنانة مقدرة ومحترمة ومثقفة وقادت اعتصام الفنانين الأشهر.. وتركت رصيداً من الفن - تمثيلا  ورقصا ورؤي فكرية مايوحي بأن الفنون المبدعة ليست إلا موهبة متفجرة في نفوسهم مبدعيها.  يحترمونها أولا فتحترمهن، وتصنع اسمهم.. فهذه تحية كاريوكا وتلك صافينار أو فراولة.. أو هؤلاء الراقصات المتعريات .. كل هؤلاء العراة على خشبة المسرح بلا خوف وبلا وجل .. وبلا رقابة! هل تآكلت سلطة الدولة؟ هل تمتلك الرقصات سيديهات - كما مرتضى منصور - تخشاها الدولة؟ كيف تسمح الراقصات الجدد لأنفسهن بكل هذا التعري، وإبراز هذه الكتل والشحوم البيضاء والحمراء؟!
- هل هو تعر في حماية الدولة ؟
- من يجيب ؟!

-------------------------------------
بقلم: محمود الشربيني

مقالات اخرى للكاتب

رشقة أفكار | من أكل لسان الدولة .. هل تآكل أمام سطوة الراقصات؟!